
اهداء
الجمعة 21 أكتوبر 2011 - 18:37
إلى أمي الملاك التي لم أحتمل رؤية دموعها وأنا أخبرها أني مصابة بدا...
عندما كنت طفلة, كنت أظن أن الموت هو الذهاب عند الله في السماء. كما كنت أظن أن الشيوخ هم اللذين يموتون. فكل من يموت في عائلتي كانوا آنذاك من كبار السن...
لذاك, فقد كنت أقول لنفسي: عندما يموت جدي, وتموت جدتي, ويموت أبي, وتموت أمي, آنذاك سيأتي دوري لأموت. إذن, فلن أقلق بشأن الموت إلى أن تموت أمي. كانت هذه نظرتي الطفولية الساذجة عن الموت إلى أن قرأت يوما قصة عن رجل كبير السن مرض وذهب عند الطبيب, فأخبره الطبيب أنه سيموت بعد شهر. ومضى شهر ولم يمت الرجل, ومضت أشهر ولم يمت, بل ومضت سنوات فمات الطبيب ولم يمت الرجل وكانت العبرة من القصة أن الأعمار بيد الله ولا يدري أحد متى سيموت. فكان هذا أول درس تعلمته عن الموت. لكن الموت ظل يعني بالنسبة لي نهاية الحياة إلى أن توفي جدي وكنت آنذاك فتاة يافعة. كان الفراق صعبا جدا وظللت لمدة أتوقع قدومه يوم الاثنين لزيارتنا كما كان يفعل دائما. وكنت أتخيله يمشي أمامي وأنا ذاهبة إلى المدرسة... إلى أن اعتدت على فراقه.
ثم بدأت أفتش عن حل للغز الموت في القصص, وكتب الأدب, وكتب الدين, وكل ما يقع تحت يدي...
وبعد سنوات طوال أدركت بأن الموت ليس هو النهاية بل هو مرحلة ننتقل عن طريقها من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة. وأن الدنيا هي مزرعة الآخرة: فما من حسنة أو سيئة, ما من عمل صالح أو طالح, ما من خير أو شر, ما من كلمة طيبة أو كلمة خبيثة: كل ذلك يكتب في صحائف أعمالنا. وعندما نموت, يدفن جسدنا في التراب أما أرواحنا فيحتفظ بها في البرزخ إلى أن يأتي يوم القيامة؛ يوم الحساب؛ يوم الجزاء, فإما جنة أو نار.
وكثيرا ما أسأل نفسي: ماذا زرعت في مزرعة الدنيا لأجنيه في الآخرة؟
لم أكن أستطيع الإجابة على هذا السؤال بسرعة وبدقة وبوضوح كما يفعل الطالب النبيه أمام ورقة الامتحان عند إجابته عن سؤال درسه جيدا. فكنت أصنع لنفسي مشاريع جميلة وعديدة وأقول لنفسي سأفعل كذا وكذا وكذا... وأؤجل البدء بالتنفيذ متعللة بضيق الوقت أحيانا أو ضغوط الحياة اليومية أحيانا أخرى أو مرض... وكنت أقول لنفسي في كثير من الأحيان؛ عندما تأتي العطلة الأسبوعية سيكون لدي متسع من الوقت وسأقوم بكذا... أو عندما يأتي رمضان المقبل, سيكون هناك جو إيماني وروحاني سيساعدني على القيام بذلك...أو عندما أجد الرفقة الصالحة التي ستشجعني سأفعل كذا...
المهم, كنت أجد أعذارا مختلفة للتأجيل والتسويف والتماطل. وكم كنت بارعة في ذلك.
الخطير في الأمر, أني كنت أتحدث عن الغد وكأني لن أموت غدا...
أنا أعلم علم اليقين أن الموت أقرب إلينا من الوريد لكني لم أكن أستحضر هذا الأمر بالقوة المطلوبة...
وكانت المرة الأولى في حياتي التي أحس فيها أن غدا قد لن يأتي أبدا... هي عندما أكد لي الطبيب أنني مصابة بداء السرطان. لثواني فقط, تذكرت قصص أشخاص اكتشفوا السرطان في مراحل متأخرة ووافتهم المنية... هنالك فقط, أحسست بكل جوارحي أن غدا قد لن يأتي أبدا.
وتبادر إلى ذهني السؤال التالي: هل أنا مستعدة بالفعل للموت في أي لحظة؟ كم من مرة في حياتي صليت صلاة المودع وأنا مستيقنة بالفعل أني قد لن أصلي الصلاة التي بعدها؟ ماذا عن مشاريعي المؤجلة؟ وجاءني السؤال الصعب: كيف سألقى الله؟ وأي عمل قمت به في حياتي سيشفع لي عند ربي؟ كان الجواب عن هذه الأسئلة صعبا...
أنا أعلم أن الله رحيم بل هو أرحم بنا من الأم برضيعها... وأحسست بالغبن عن كل ثانية أضعتها في حياتي... كما أحسست بقيمة كل ثانية يضيفها ربي إلى عمري فهي فرصة ثمينة لن تعود أبدا, يمنحها ربِي لي كي أزرع زرعا أجني ثماره في الآخرة...
وهنا أتذكر ما ورد في الأثر: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادى يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فاني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة".
التعليقات
سلماء
الجمعة 28 أكتوبر 2011 - 16:19أطال الله عمرك حتى تقدمي من الخير والعمل الصالح ما يرفعك إلى الفردوس الأعلى بإدنه تعالى, مقالة رائعة وهنيئا لك أختي بهده اليقظة المبكرة,
مريم المقدي
الجمعة 28 أكتوبر 2011 - 16:24السلام عليكم هذه أول مقالة أقرؤها. هنيئا لك على هذه المبادرة و أتمنى لك الشفاء العاجل. مريم
أضف تعليقك